حمل الذهب هذا الشهر مزيدا من الأخبار السارة للمضاربين فيه، حيث يستعد الذهب هذا الأسبوع لاختراق حاجز تاريخي جديد بتجاوزه سعر 1500 دولار للأوقية، وذلك بعد قيام مؤسسة ستاندرد آند بورز بتخفيض تصنيف الدين العام الأمريكي من مستقر إلى سلبي، وهو ما دفع بالمضاربين نحو المزيد من شراء الذهب، ولا شك أن هذه المستويات التاريخية لسعر الذهب تعكس بالدرجة الأولى المخاوف التي تحيط بالاقتصاد العالمي وبالأوضاع السائدة في بعض المناطق الساخنة مثل ليبيا والشرق الأوسط بشكل عام واليابان، وبالشكوك التي تحوم حول قدرة الاقتصاد العالمي على استعادة عافيته من الأزمة ومدى قوة العزم التي يملكها الاقتصاد الأمريكي على الاستمرار في التعافي.
خلال هذا الشهر ارتفع ثمن أوقية الذهب بنحو 80 دولارا، ومنذ تسع سنوات تقريبا والذهب يرتفع بصورة مستمرة، وهي سنوات لا شك لم تكن طبيعية، ومن ثم لا يمكننا أن نطلق على الاتجاه الحالي لسعر الذهب أنه طبيعي. فارتفاع أسعار الذهب هو إحدى أهم السمات التي صاحبت الأزمة التي يمر بها العالم حاليا، بحيث أصبح الذهب هو المؤشر الحراري لأوضاع العالم في الأزمة الحالية، فمع أي تطورات معاكسة على الساحة الاقتصادية أو حتى السياسية تأخذ أسعار الذهب في الارتفاع على النحو الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة.
تعطي الخصائص الطبيعية للذهب وضعا فريدا بين المعادن النفيسة، فهو واحد من معادن قليلة جدا لا يتلف بمرور الوقت، فضلا عن أنه يتسم بالندرة الشديدة بالنسبة للطلب عليه، ونظرا للاتجاه الصعودي للذهب خلال فترة طويلة نسبيا أخيرا، أخذ البعض يروج لفكرة استمرار استقرار الذهب عند مستويات أسعار مرتفعة، وهو ما جعل المضاربين في شتى أنحاء العالم يتجهون نحوه لحماية أنفسهم من تراجع القوة الشرائية للنقود الورقية، وكملجأ للحماية ضد مخاطر التضخم في عالم لا تزيد فيه معدلات الفائدة على صفر في الكثير من البقاع.
خلال العام الماضي كان الذهب أكثر المعادن تجارة، وقد حقق سعر الذهب في ذلك العام زيادة تقدر بنحو 27 في المائة في المتوسط، وما يحدث حاليا في سوق المعدن هو تهافت المشترين على الشراء، مما يجعل الأسعار ترتفع أعلى وأعلى، ومن هذا المنطلق يؤمن الكثير من المتعاملين في المعدن أنه ما زال هناك مجال أوسع لارتفاع سعر الذهب. فعلى الرغم من أن بيانات سوق الذهب تشير إلى ارتفاع كمية الذهب المعروضة في 2010 إلى نحو 2700 طن، التي تم تعدينها من مناطق الإنتاج الرئيسية للمعدن، وهي كمية تزيد بشكل واضح على الاتجاه العام للطلب، إلا أن هذه الزيادة في العرض قابلها أيضا طلب استثنائي على الذهب، على الرغم من الأسعار المرتفعة له. ومنذ أكثر من سنة دخلت الفضة على خط المضاربة مع الذهب، غير أنه مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب أخذت العلاقة بين الذهب والفضة في الاختلال بعض الشيء، فمن الناحية التقليدية كان معدل تبادل الذهب إلى الفضة هو أوقية ذهب في مقابل نحو 15 أوقية فضة تقريبا، ولكن في الوقت الحالي حيث يقترب سعر الذهب من 1500 دولار، فإن المعدل يصل إلى 1 ـــ 40 تقريبا.
من الناحية التاريخية، ترتفع أسعار الذهب باعتباره البديل الأمثل للنقود الورقية التي تطبعها دول العالم دون غطاء حقيقي، وعندما ترتفع معدلات التضخم أو تنتشر التوقعات التضخمية في المستقبل فإن الوضع الطبيعي أن يفقد المستثمرون الثقة بالنقود (بما في ذلك المودعات بها)، وبقدرة السلطات النقدية على إدارة الشؤون النقدية للاقتصاد بصورة آمنة، وواقع الحال يشير إلى أن العالم لم يخرج بعد من الأزمة، والتوقعات التضخمية المرتفعة ما زالت سيدة الموقف، كما أن أسعار الفائدة الحقيقية في دول العالم كافة سالبة، والوضع الطبيعي في ظل هذه الظروف أن تميل أسعار الذهب نحو التزايد بمعدلات مرتفعة.
المستثمرون في أنحاء العالم كافة لديهم أيضا قلق حول مستقبل الاقتصاد العالمي بصفة خاصة الأمريكي، كما أن الديون السيادية لمعظم دول العالم، بصفة خاصة الولايات المتحدة وأوروبا قاربت مستويات حرجة، ومع ذلك تستمر هذه الدول في إصدار المزيد منها، على نحو يراه المستثمرون بأنه غير قابل للاستدامة، أكثر من ذلك فإن جانبا كبيرا من سندات الدين يتم تحويله إلى عملات نقدية، وهو ما يفرز علامات استفهام كثيرة حول الكيفية التي يدار بها الاقتصاد العالمي حاليا، بصفة خاصة الأمريكي من الناحية الاقتصادية، والجميع يتوقع انهيار الدولار، أو تراجع القوة الشرائية له، حيث تتراجع معدلات صرف الدولار في مقابل العملات الأساسية في العالم، ونتيجة لذلك ترتفع أسعار الأصول، بما فيها الذهب والأسهم والسلع، والتوقعات حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي تشاؤمية، لذلك يندفع الناس إلى اللجوء إلى الذهب كبديل أكثر أمانا، وهو ما يساعد على النفخ في فقاعة أسعار الذهب.
الذهب يتم تداوله الآن بأسعار تاريخية من حيث مستوياتها المرتفعة، ويوما بعد يوم تنتقل المدخرات بصورة واضحة نحو الذهب، وهو ما يوحي باستمرار الاتجاه الحالي للذهب نحو الارتفاع مع تزايد نزعة المضاربة بين المتعاملين، والقائمين على صناديق المعدن يرددون بصورة مستمرة عبارة "أن عدم تملك الذهب في ظل هذه الظروف يعد نوعا من الغباء الاستثماري"، وتراهم من وقت لآخر يروجون لفكرة الأسعار المرتفعة للذهب، وأن الأسعار الحالية للذهب هي اتجاه طبيعي، وأن السعر الحالي غير قابل للانخفاض أصلا لأن القيمة الحقيقية للذهب أعلى من السعر الحالي له بكثير، وأن الأمر هو مسألة وقت حتى نرى الشارة السعرية التي تحمل رقم 5000 أو حتى 10000 دولار للأوقية. أحد المعايير التي يستند إليها أنصار الذهب في بلوغ الأسعار إلى هذه المستويات الفلكية هي السعر التاريخي للذهب، أو معدل الرقم القياسي لداو جونز بالنسبة للذهب منذ عام 1970، إلى غير ذلك من المقاييس التي طوروها لإيهام المضاربين بأن المعدن على الرغم من ارتفاع أسعاره، هو بكل المقاييس، ما زال أقل من القيمة الحقيقية التي يجب أن يكون عليها، وبأن الذهب بالفعل لا يعيش حالة فقاعة سعرية، وللتدليل على ذلك يستخدم هؤلاء سعر الذهب في عام 1980، الذي بلغ 880 دولارا للأوقية على أنه نقطة أساس لتحديد السعر الحقيقي للذهب، وبمعنى آخر، إذا تم تعديل هذا السعر بمعدل التضخم منذ هذا العام فإن سعر الذهب في يومنا هذا لا بد أن يصل إلى نحو 7000 دولار للأوقية، وهو منطق مضلل، فكيف يمكن استخدام أعلى سعر بلغه الذهب من الناحية التاريخية قبل الفقاعة الحالية على أنه نقطة أساس؟ إن ذلك يعني أن سعر 880 دولارا للأوقية في عام 1980 يمثل السعر الطبيعي للذهب، فكيف يمكن أن ينظر إلى سعر منفوخ على أنه السعر الطبيعي للذهب، حتى يتم تعديله بالتضخم في محاولة للوصول إلى ما يسمى بالسعر العادل للذهب، وإذا كان هذا السعر المنفوخ هو السعر الطبيعي، لماذا انهار في العام نفسه؟
الفضة أيضا دخلت على الخط، والتي يبلغ سعر الأوقية منها حاليا نحو 45 دولارا، ومع الترويج للمضاربة في الفضة فإن ارتفاع أسعار الفضة فاق أخيرا متوسط معدل الارتفاع في أسعار الذهب، حيث يستخدم المحللون المنطق نفسه، ويروجون لفكرة أن أوقية الفضة لا بد أن تباع اليوم بأكثر من 400 دولار أخذا في الاعتبار سعر الفضة في عام 1980، الذي بلغ 50 دولارا للأوقية، ولكن 50 دولارا لأوقية الفضة في ذلك الوقت كانت تعكس أساسا ضغوط المضاربة التي مارسها الأخوان هانت Hunt brothers، فقد حاول الأخوان في عام 1980 أثناء حمى الذهب السيطرة على الفضة، اعتقادا منهما بأن التضخم سوف يقضي على الدولار الأمريكي في ذلك الوقت (وهي الدعوى نفسها التي نسمعها اليوم)، وقاما بشراء نحو ثلث العرض العالمي من الفضة، وهو ما أدى إلى رفع سعر أوقية الفضة من 1.26 دولار فقط في 1971 إلى نحو 50 دولارا في عام 1980، وقد انتهت هذه المضاربة المحمومة بانهيار سعر الفضة وإفلاسهما، فكيف يمكن أن ننظر، مرة أخرى، إلى هذه الأسعار الخيالية على أنها أسعار طبيعية لكي نستخدمها كنقطة أساس للتعديل بالتضخم لكي نحسب السعر الحقيقي المعدل بالتضخم للفضة، وإذا كان هذا السعر طبيعيا، مرة أخرى، لماذا انهار وتسبب في إفلاس المضاربين على المعدن.
المشكلة الأساسية هي أن أغلب المحللين في مجال المعدن يلعبون بعقول من يقرؤون من المضاربين، ومن يقرؤون يعجبون بما يشاهدون لأنهم ببساطة شديدة مهيؤون لتصديق أي شيء وكل شيء عن الذهب والفضة، ويرددون العبارة الشهيرة "الوضع مختلف هذه المرة"، ولسوء الحظ أن استمرار سوء الأوضاع وطول الفترة التي قضاها العالم في الكساد الحالي جعل الكثير يؤمن بأن الوضع بالفعل مختلف هذه المرة. هل الذهب يمثل حاليا فقاعة سعرية حاليا؟ ما يردده كل المتعاملين في الذهب أنه لا يوجد شيء اسمه الفقاعة السعرية للذهب، وأن الذهب صعدت أسعاره لتبقى مرتفعة إلى الأبد، فالذهب معدن العالم النفيس، وهو الملجأ الأمثل في مواجهة التضخم، وأن الطلب على الذهب سوف يستمر في الارتفاع نظرا للتغير الهيكلي الحادث في الطلب على المعدن النفيس على المستوى العالمي، ولكن هل هذه تفسيرات حقيقية لهذه القفزات في سعر الذهب؟
في رأيي لكي نفهم طبيعة ما يحدث، علينا أن ننظر إلى طبيعة المشكلات الاقتصادية التي نواجهها، لكي نفهم بصورة أفضل ما الذي يحدث لسعر الذهب. فالسعر الاستثنائي الحالي للذهب هو نتاج ظروف اقتصادية استثنائية أيضا، والآن هل الذهب يعيش حالة فقاعة سعرية؟ إجابتي هي بكل تأكيد، نعم، وأهم العلامات التي يمكن من خلالها الحكم على وجود الفقاعة السعرية لأصل ما هي انتشار الملكية العامة للأصل على نحو واسع، مثلما حدث على سبيل المثال في فقاعة الإنترنت أو الشركات التكنولوجية التي انتهت بانفجار الفقاعة في أوائل العقد الماضي، أو الإقدام الواسع على شراء المساكن في الولايات المتحدة، الذي انتهى بانفجار فقاعة أسعار المساكن في 2006، وليس هناك من دليل أفضل على الفقاعة السعرية للذهب من الانتشار الواسع لتملك الذهب في أنحاء العالم كافة حاليا. هل الوضع مختلف هذه المرة؟ إجابتي هي: لا يوجد شيء اسمه الوضع مختلف هذه المرة، ففي كل فقاعة مرت على العالم كان المضاربون يندفعون نحو المضاربة مرددين هذه العبارة نفسها، إلى أن يستفيق الجميع تحت وقع دقات الكارثة، ولكن هل ستنفجر هذه الفقاعة السعرية؟ إجابتي هي أنه بتحليل الأزمات كافة التي مرت في تاريخ العالم الحديث التي تناولتها في سلسلة "عالم لا يتعلم من أزماته" التي نشرتها "الاقتصادية"، وجدت أنه لا يوجد أصل استثماري في العالم تستمر أسعاره في الارتفاع إلى ما لا نهاية، والآن إلى سؤال المليون دولار، متى ستنفجر الفقاعة السعرية للذهب؟
جميع الشواهد التي بين أيدينا حتى هذه اللحظة تشير إلى أن توقيت وقوع الكارثة لا يلوح في الأفق في الوقت الحاضر أو حتى في المستقبل القريب، فما زالت الظروف الاقتصادية التي أدت إلى تكون الفقاعة الحالية قائمة، وليس من المتوقع انعكاسها في الأجل القريب، حتى يمكن الحديث عن هبوط منتظر في أسعار الذهب. بل إن كثيرا من المراقبين يتوقعون أن يتدعم الاستثمار في الذهب خلال الفترة المقبلة مع احتمالات اتساع أزمة الديون السيادية من أوروبا إلى الولايات المتحدة واليابان، حيث يبلغ الدين العام في الدولتين الأخيرتين مستويات حرجة، بصفة خاصة في ظل عجز الميزانية التاريخي الذي تواجهانه، وضعف الإجراءات المتخذة حيال النمو في العجز المالي. من ناحية أخرى، فإن اتجاه الولايات المتحدة نحو طبع الدولار بغض النظر عن تبعات ذلك على الوضع العالمي له كعملة احتياط للعالم، يهدد الثقة التي تتمتع بها العملة الخضراء، ولذلك يرى البعض أن المتسبب في رفع سعر الذهب ليس هو سلوك المتعاملين فيه، وإنما سلوك البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفيدرالي، وما زالت معظم دول العالم، بصفة خاصة الكبرى منها، تتبع سياسات نقدية سهلة، وليس هناك أي دلائل على أن هناك تحولا في السياسات النقدية نحو السياسات النقدية المتشددة، وأخيرا، من الواضح أن سعر الذهب سوف يستمر في الارتفاع تحت وطء المتغيرات المعاكسة في العالم، مثل ارتفاع أسعار الغذاء، وارتفاع معدلات التضخم، وبرامج التحفيز النقدي، واستمرار معدلات البطالة مرتفعة، والضغوط السياسية، بل والكوارث الطبيعية مثلما حدث في اليابان، وحتى يتم التعامل مع المشكلات التي يواجهها العالم في ظل الأزمة ويستعيد المستثمرون ثقتهم بالأسواق مرة أخرى، فسوف يستمر المضاربون في شراء الذهب، ومن ثم سوف يظل الذهب يداعب المضاربين فيه.
خلال هذا الشهر ارتفع ثمن أوقية الذهب بنحو 80 دولارا، ومنذ تسع سنوات تقريبا والذهب يرتفع بصورة مستمرة، وهي سنوات لا شك لم تكن طبيعية، ومن ثم لا يمكننا أن نطلق على الاتجاه الحالي لسعر الذهب أنه طبيعي. فارتفاع أسعار الذهب هو إحدى أهم السمات التي صاحبت الأزمة التي يمر بها العالم حاليا، بحيث أصبح الذهب هو المؤشر الحراري لأوضاع العالم في الأزمة الحالية، فمع أي تطورات معاكسة على الساحة الاقتصادية أو حتى السياسية تأخذ أسعار الذهب في الارتفاع على النحو الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة.
تعطي الخصائص الطبيعية للذهب وضعا فريدا بين المعادن النفيسة، فهو واحد من معادن قليلة جدا لا يتلف بمرور الوقت، فضلا عن أنه يتسم بالندرة الشديدة بالنسبة للطلب عليه، ونظرا للاتجاه الصعودي للذهب خلال فترة طويلة نسبيا أخيرا، أخذ البعض يروج لفكرة استمرار استقرار الذهب عند مستويات أسعار مرتفعة، وهو ما جعل المضاربين في شتى أنحاء العالم يتجهون نحوه لحماية أنفسهم من تراجع القوة الشرائية للنقود الورقية، وكملجأ للحماية ضد مخاطر التضخم في عالم لا تزيد فيه معدلات الفائدة على صفر في الكثير من البقاع.
خلال العام الماضي كان الذهب أكثر المعادن تجارة، وقد حقق سعر الذهب في ذلك العام زيادة تقدر بنحو 27 في المائة في المتوسط، وما يحدث حاليا في سوق المعدن هو تهافت المشترين على الشراء، مما يجعل الأسعار ترتفع أعلى وأعلى، ومن هذا المنطلق يؤمن الكثير من المتعاملين في المعدن أنه ما زال هناك مجال أوسع لارتفاع سعر الذهب. فعلى الرغم من أن بيانات سوق الذهب تشير إلى ارتفاع كمية الذهب المعروضة في 2010 إلى نحو 2700 طن، التي تم تعدينها من مناطق الإنتاج الرئيسية للمعدن، وهي كمية تزيد بشكل واضح على الاتجاه العام للطلب، إلا أن هذه الزيادة في العرض قابلها أيضا طلب استثنائي على الذهب، على الرغم من الأسعار المرتفعة له. ومنذ أكثر من سنة دخلت الفضة على خط المضاربة مع الذهب، غير أنه مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب أخذت العلاقة بين الذهب والفضة في الاختلال بعض الشيء، فمن الناحية التقليدية كان معدل تبادل الذهب إلى الفضة هو أوقية ذهب في مقابل نحو 15 أوقية فضة تقريبا، ولكن في الوقت الحالي حيث يقترب سعر الذهب من 1500 دولار، فإن المعدل يصل إلى 1 ـــ 40 تقريبا.
من الناحية التاريخية، ترتفع أسعار الذهب باعتباره البديل الأمثل للنقود الورقية التي تطبعها دول العالم دون غطاء حقيقي، وعندما ترتفع معدلات التضخم أو تنتشر التوقعات التضخمية في المستقبل فإن الوضع الطبيعي أن يفقد المستثمرون الثقة بالنقود (بما في ذلك المودعات بها)، وبقدرة السلطات النقدية على إدارة الشؤون النقدية للاقتصاد بصورة آمنة، وواقع الحال يشير إلى أن العالم لم يخرج بعد من الأزمة، والتوقعات التضخمية المرتفعة ما زالت سيدة الموقف، كما أن أسعار الفائدة الحقيقية في دول العالم كافة سالبة، والوضع الطبيعي في ظل هذه الظروف أن تميل أسعار الذهب نحو التزايد بمعدلات مرتفعة.
المستثمرون في أنحاء العالم كافة لديهم أيضا قلق حول مستقبل الاقتصاد العالمي بصفة خاصة الأمريكي، كما أن الديون السيادية لمعظم دول العالم، بصفة خاصة الولايات المتحدة وأوروبا قاربت مستويات حرجة، ومع ذلك تستمر هذه الدول في إصدار المزيد منها، على نحو يراه المستثمرون بأنه غير قابل للاستدامة، أكثر من ذلك فإن جانبا كبيرا من سندات الدين يتم تحويله إلى عملات نقدية، وهو ما يفرز علامات استفهام كثيرة حول الكيفية التي يدار بها الاقتصاد العالمي حاليا، بصفة خاصة الأمريكي من الناحية الاقتصادية، والجميع يتوقع انهيار الدولار، أو تراجع القوة الشرائية له، حيث تتراجع معدلات صرف الدولار في مقابل العملات الأساسية في العالم، ونتيجة لذلك ترتفع أسعار الأصول، بما فيها الذهب والأسهم والسلع، والتوقعات حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي تشاؤمية، لذلك يندفع الناس إلى اللجوء إلى الذهب كبديل أكثر أمانا، وهو ما يساعد على النفخ في فقاعة أسعار الذهب.
الذهب يتم تداوله الآن بأسعار تاريخية من حيث مستوياتها المرتفعة، ويوما بعد يوم تنتقل المدخرات بصورة واضحة نحو الذهب، وهو ما يوحي باستمرار الاتجاه الحالي للذهب نحو الارتفاع مع تزايد نزعة المضاربة بين المتعاملين، والقائمين على صناديق المعدن يرددون بصورة مستمرة عبارة "أن عدم تملك الذهب في ظل هذه الظروف يعد نوعا من الغباء الاستثماري"، وتراهم من وقت لآخر يروجون لفكرة الأسعار المرتفعة للذهب، وأن الأسعار الحالية للذهب هي اتجاه طبيعي، وأن السعر الحالي غير قابل للانخفاض أصلا لأن القيمة الحقيقية للذهب أعلى من السعر الحالي له بكثير، وأن الأمر هو مسألة وقت حتى نرى الشارة السعرية التي تحمل رقم 5000 أو حتى 10000 دولار للأوقية. أحد المعايير التي يستند إليها أنصار الذهب في بلوغ الأسعار إلى هذه المستويات الفلكية هي السعر التاريخي للذهب، أو معدل الرقم القياسي لداو جونز بالنسبة للذهب منذ عام 1970، إلى غير ذلك من المقاييس التي طوروها لإيهام المضاربين بأن المعدن على الرغم من ارتفاع أسعاره، هو بكل المقاييس، ما زال أقل من القيمة الحقيقية التي يجب أن يكون عليها، وبأن الذهب بالفعل لا يعيش حالة فقاعة سعرية، وللتدليل على ذلك يستخدم هؤلاء سعر الذهب في عام 1980، الذي بلغ 880 دولارا للأوقية على أنه نقطة أساس لتحديد السعر الحقيقي للذهب، وبمعنى آخر، إذا تم تعديل هذا السعر بمعدل التضخم منذ هذا العام فإن سعر الذهب في يومنا هذا لا بد أن يصل إلى نحو 7000 دولار للأوقية، وهو منطق مضلل، فكيف يمكن استخدام أعلى سعر بلغه الذهب من الناحية التاريخية قبل الفقاعة الحالية على أنه نقطة أساس؟ إن ذلك يعني أن سعر 880 دولارا للأوقية في عام 1980 يمثل السعر الطبيعي للذهب، فكيف يمكن أن ينظر إلى سعر منفوخ على أنه السعر الطبيعي للذهب، حتى يتم تعديله بالتضخم في محاولة للوصول إلى ما يسمى بالسعر العادل للذهب، وإذا كان هذا السعر المنفوخ هو السعر الطبيعي، لماذا انهار في العام نفسه؟
الفضة أيضا دخلت على الخط، والتي يبلغ سعر الأوقية منها حاليا نحو 45 دولارا، ومع الترويج للمضاربة في الفضة فإن ارتفاع أسعار الفضة فاق أخيرا متوسط معدل الارتفاع في أسعار الذهب، حيث يستخدم المحللون المنطق نفسه، ويروجون لفكرة أن أوقية الفضة لا بد أن تباع اليوم بأكثر من 400 دولار أخذا في الاعتبار سعر الفضة في عام 1980، الذي بلغ 50 دولارا للأوقية، ولكن 50 دولارا لأوقية الفضة في ذلك الوقت كانت تعكس أساسا ضغوط المضاربة التي مارسها الأخوان هانت Hunt brothers، فقد حاول الأخوان في عام 1980 أثناء حمى الذهب السيطرة على الفضة، اعتقادا منهما بأن التضخم سوف يقضي على الدولار الأمريكي في ذلك الوقت (وهي الدعوى نفسها التي نسمعها اليوم)، وقاما بشراء نحو ثلث العرض العالمي من الفضة، وهو ما أدى إلى رفع سعر أوقية الفضة من 1.26 دولار فقط في 1971 إلى نحو 50 دولارا في عام 1980، وقد انتهت هذه المضاربة المحمومة بانهيار سعر الفضة وإفلاسهما، فكيف يمكن أن ننظر، مرة أخرى، إلى هذه الأسعار الخيالية على أنها أسعار طبيعية لكي نستخدمها كنقطة أساس للتعديل بالتضخم لكي نحسب السعر الحقيقي المعدل بالتضخم للفضة، وإذا كان هذا السعر طبيعيا، مرة أخرى، لماذا انهار وتسبب في إفلاس المضاربين على المعدن.
المشكلة الأساسية هي أن أغلب المحللين في مجال المعدن يلعبون بعقول من يقرؤون من المضاربين، ومن يقرؤون يعجبون بما يشاهدون لأنهم ببساطة شديدة مهيؤون لتصديق أي شيء وكل شيء عن الذهب والفضة، ويرددون العبارة الشهيرة "الوضع مختلف هذه المرة"، ولسوء الحظ أن استمرار سوء الأوضاع وطول الفترة التي قضاها العالم في الكساد الحالي جعل الكثير يؤمن بأن الوضع بالفعل مختلف هذه المرة. هل الذهب يمثل حاليا فقاعة سعرية حاليا؟ ما يردده كل المتعاملين في الذهب أنه لا يوجد شيء اسمه الفقاعة السعرية للذهب، وأن الذهب صعدت أسعاره لتبقى مرتفعة إلى الأبد، فالذهب معدن العالم النفيس، وهو الملجأ الأمثل في مواجهة التضخم، وأن الطلب على الذهب سوف يستمر في الارتفاع نظرا للتغير الهيكلي الحادث في الطلب على المعدن النفيس على المستوى العالمي، ولكن هل هذه تفسيرات حقيقية لهذه القفزات في سعر الذهب؟
في رأيي لكي نفهم طبيعة ما يحدث، علينا أن ننظر إلى طبيعة المشكلات الاقتصادية التي نواجهها، لكي نفهم بصورة أفضل ما الذي يحدث لسعر الذهب. فالسعر الاستثنائي الحالي للذهب هو نتاج ظروف اقتصادية استثنائية أيضا، والآن هل الذهب يعيش حالة فقاعة سعرية؟ إجابتي هي بكل تأكيد، نعم، وأهم العلامات التي يمكن من خلالها الحكم على وجود الفقاعة السعرية لأصل ما هي انتشار الملكية العامة للأصل على نحو واسع، مثلما حدث على سبيل المثال في فقاعة الإنترنت أو الشركات التكنولوجية التي انتهت بانفجار الفقاعة في أوائل العقد الماضي، أو الإقدام الواسع على شراء المساكن في الولايات المتحدة، الذي انتهى بانفجار فقاعة أسعار المساكن في 2006، وليس هناك من دليل أفضل على الفقاعة السعرية للذهب من الانتشار الواسع لتملك الذهب في أنحاء العالم كافة حاليا. هل الوضع مختلف هذه المرة؟ إجابتي هي: لا يوجد شيء اسمه الوضع مختلف هذه المرة، ففي كل فقاعة مرت على العالم كان المضاربون يندفعون نحو المضاربة مرددين هذه العبارة نفسها، إلى أن يستفيق الجميع تحت وقع دقات الكارثة، ولكن هل ستنفجر هذه الفقاعة السعرية؟ إجابتي هي أنه بتحليل الأزمات كافة التي مرت في تاريخ العالم الحديث التي تناولتها في سلسلة "عالم لا يتعلم من أزماته" التي نشرتها "الاقتصادية"، وجدت أنه لا يوجد أصل استثماري في العالم تستمر أسعاره في الارتفاع إلى ما لا نهاية، والآن إلى سؤال المليون دولار، متى ستنفجر الفقاعة السعرية للذهب؟
جميع الشواهد التي بين أيدينا حتى هذه اللحظة تشير إلى أن توقيت وقوع الكارثة لا يلوح في الأفق في الوقت الحاضر أو حتى في المستقبل القريب، فما زالت الظروف الاقتصادية التي أدت إلى تكون الفقاعة الحالية قائمة، وليس من المتوقع انعكاسها في الأجل القريب، حتى يمكن الحديث عن هبوط منتظر في أسعار الذهب. بل إن كثيرا من المراقبين يتوقعون أن يتدعم الاستثمار في الذهب خلال الفترة المقبلة مع احتمالات اتساع أزمة الديون السيادية من أوروبا إلى الولايات المتحدة واليابان، حيث يبلغ الدين العام في الدولتين الأخيرتين مستويات حرجة، بصفة خاصة في ظل عجز الميزانية التاريخي الذي تواجهانه، وضعف الإجراءات المتخذة حيال النمو في العجز المالي. من ناحية أخرى، فإن اتجاه الولايات المتحدة نحو طبع الدولار بغض النظر عن تبعات ذلك على الوضع العالمي له كعملة احتياط للعالم، يهدد الثقة التي تتمتع بها العملة الخضراء، ولذلك يرى البعض أن المتسبب في رفع سعر الذهب ليس هو سلوك المتعاملين فيه، وإنما سلوك البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفيدرالي، وما زالت معظم دول العالم، بصفة خاصة الكبرى منها، تتبع سياسات نقدية سهلة، وليس هناك أي دلائل على أن هناك تحولا في السياسات النقدية نحو السياسات النقدية المتشددة، وأخيرا، من الواضح أن سعر الذهب سوف يستمر في الارتفاع تحت وطء المتغيرات المعاكسة في العالم، مثل ارتفاع أسعار الغذاء، وارتفاع معدلات التضخم، وبرامج التحفيز النقدي، واستمرار معدلات البطالة مرتفعة، والضغوط السياسية، بل والكوارث الطبيعية مثلما حدث في اليابان، وحتى يتم التعامل مع المشكلات التي يواجهها العالم في ظل الأزمة ويستعيد المستثمرون ثقتهم بالأسواق مرة أخرى، فسوف يستمر المضاربون في شراء الذهب، ومن ثم سوف يظل الذهب يداعب المضاربين فيه.
هناك تعليق واحد:
السلام عليكم اخى الكريم انا صاحب مدونة اكسجين مصر محتاج منك خدمه ازى اعامل اكتر من اعلان فى مدونتى تحياتى
إرسال تعليق