بواسطة د.محمد إبراهيم السقا
غالبا ما يربط الكثير من المحللين الارتفاع الحالي لسعر الذهب بضعف الدولار كعملة. هذا الربط صحيح جزئيا، ولكن هل معنى ذلك أن الدولار هو المسئول عن انتفاخ بالون الذهب إلى المستويات القياسية التي يبلغها حاليا. إذا كان هذا التحليل صحيحا فلا بد وأن يكون معدل ارتفاع سعر الذهب بالدولار هو الأعلى مقارنة بسعر الذهب بباقي العملات العالمية، أي سعر الذهب بالجنيه الاسترليني، وسعر الذهب بالين الياباني وهكذا، ليس هذا فقط، بل أن يتركز معدل ارتفاع سعر الذهب في سعر الذهب بالدولارا مقارنة بأي عملة أخرى، وبالتالي يفترض أن يكون سعر الذهب بالدولار أعلى من سعره عندما يحول إلى الفرنك السويسري مثلا، أو أي عملة أخرى في العالم، وهذا غير صحيح.
الذهب، مثله مثل باقي السلع التجارية في العالم كالنفط والحديد والنحاس .. الخ، سلعة دولية تسعر أساسا بالدولار، وبالتالي فإن الفقاعة الحالية للذهب تعكس حالة عدم التأكد التي تشيع بين المتعاملين في الذهب بسبب تطور أوضاع الأزمة على نحو سيئ، والتي تجعل ردود أفعالهم لأي تطورات تحدث على أرض الواقع مبالغ فيها، في ظل تصاعد اتجاهات المضاربة على الذهب وتطورها على نحو مؤسسي. الذهب الآن ترتفع أسعاره بصورة مستمرة، وقد بلغ هذا الأسبوع مستويات تاريخية عندما بلغ 1310 دولارا للأوقية، وفي ظل حالة عدم الاستقرار التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليا، من المتوقع أيضا ان يستمر في الارتفاع مع ميل للتقلب الشديد في الاسعار، مع أي تدفقات للأخبار الاقتصادية السيئة أو الجيدة عن الأزمة.
آخر الأخبار السيئة (من وجهة نظر المضاربين على الذهب) هو أن الولايات المتحدة سوف تقوم بطبع المزيد من الدولارات في عملية تيسير كمي جديدة، يطلق عليها التيسير الكمي الثاني Quantitative easing 2، بهدف توفير الدعم لمعدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي التي كانت مشجعة في النصف الثاني من العام الماضي، إلا أنها بدأت تفقد بعض العزم منذ مطلع هذا العام، بصورة أعادت للأذهان احتمالات ان تواجه الولايات المتحدة تراجعا مزدوجا. الاحتياطي الفدرالي يدرس بعناية حاليا شكل هذه الخطوة وحجمها وتوقيتها، وبالطبع آثارها. حتى الآن لم تعلن التفاصيل الكاملة عن الخطة، وسوف أوافي القارئ بتفاصيلها في حينها.
ردة فعل أحد المضاربين الموتورين من مديري الصناديق المشهورين على خطة التحفيز الكمي الجديدة في الولايات المتحدة، هو أن التضخم في العام القادم سوف يكون من رقمين (تضخم مرتفع)، وأن سعر الذهب في العالم القادم سوف يصل إلى 4000 دولارا للأوقية، هذا الغباء في التحليل الاقتصادي تلتقطه وسائل الإعلام بسرعة خاطفة وترسم حوله هالة ضخمة لينتشر كالنار في الهشيم في كافة أنحاء العالم ليزداد للأسف عدد الضحايا الذين سيدفعون الثمن في المستقبل، مثلما دفع مئات الملايين من البشر الثمن لتصريحات أمثال هذا الموتور في الماضي.
الشكل السابق يوضح اتجاهات أسعار الذهب بست عملات دولية هي الجنيه الاسترليني واليورو والدولار الاسترالي والفرنك الفرنسي والين الياباني والدولار الكندي. الشكل يوضح ان أسعار الذهب بكل العملات ترتفع عند مستويات تاريخية. كذلك يؤكد الشكل أن ارتفاع سعر الذهب ليس بسبب ضعف الدولار، وإلا لكنا قد رأينا الارتفاع في سعر الذهب يقتصر فقط على عملة واحدة هي الدولار، ارتفاع سعر الذهب بسبب الأزمة التي تعصف بالعالم حاليا، وهذا في رأيي هو مكمن الخطر الشديد الذي يتعرض له المضاربين على الذهب.
أما الجدول التالي فيوضح متوسط نسبة التغير السنوي في سعر الذهب في المتوسط منذ عام 2005 حتى أمس بتسع عملات دولية منها الذهب. لاحظ من الجدول أنه خلال الخمس سنوات الماضية لم يكن معدل ارتفاع سعر الذهب بالدولار هو الاعلى، لقد كان متوسط ارتفاع سعر الذهب بالجنيه الاسترليني والروبية الهندية واليورو أعلى من متوسط ارتفاع سعر الذهب بالدولار. الجدول يوضح انه خلال الخمس سنوات الماضية بلغ متوسط الارتفاع السنوي في سعر الذهب بالعملات التسع 18.8%. للأسف جانب كبير من الارتفاع في السعر يعكس اتجاهات المضاربة على الذهب، وبالتالي مع أي عملية تصحيح سعري في المستقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق