الأحد، 3 أكتوبر 2010

أسعار الذهب… إلى أين؟



بواسطة د.ناصر بن غيث بتاريخ 3 أكتوبر 2010

تثير القفزات المتتالية لأسعار الذهب والفضة الكثير من الحيرة وكذلك الخوف وقبل هذا ذاك الجدل حول مستقبل التعافي الذي بدأت تظهر بوادره على العديد من الإقتصادات والقطاعات , ففي حين يتحدث الكل عن تعافي إقتصاده المحلي من اًثار الأزمة نجد أن معظم المؤشرات سواءاً على المستوى العالمي أو المستوى المحلي لكل دولة على حده تشير إلى أن الأزمة ما تزال تضرب بأطنابها في مضارب العديد من الدول خاصة الدول الصناعية الغربية ما يجعل الوضع في غالية الضبابية , وما زاد طين الأزمة بلة هو مشكلة بل مشاكل الديون السيادسة التي بدأت تهدد أكثر من دولة إبتداءاً بالدولة الأشهر اليونان مروراً بباقي دول اليورو إضافة إلى بريطانيا وإنتهاءاً بالولايات المتحدة واليابان وهو ما أدخل عملاتها في دوامة التقلبات الحادة للإسعار فيما بينها الأمر الذي زاد من حدة مشكلة الضبابية وعدم اليقين التي تلف الأسواق , كل ذلك عزز من أهمية ودور الذهب كملاذ اًمن ضد التقلبات الإقتصادية وحالة عدم اليقين التي يمر بها الإقتصاد العالمي , لكن ما هي حقيقة الإرتقاعات في أسعار الذهب؟ وهل هي مبررة في ظل الظروف الراهنة أم أن هناك فقاعة أخرى في طريقها إلى التشكل وسوف ما تلبث أن تنفجر مرسلة أسعار الذهب إلى “حيث ألقت رحلها أم قشعم”؟




تاريخياً كان للذهب دوما دور مهم في العمل كنقود , وهذا الدور للذهب يتلخص في ثلاث صور أولاها هي صلاحيته لأن يكون أداة للتبادل التجاري تتمتع بالقبول العام والصورة الثانية هي صلاحتيه لأن يكون أداة قياس وتسعير للسلع والخدمات وأخرها -وهي الأهم- أن الذهب يعتبر أفضل ما يمكن أستخدامه لحفظ القيمة وهو ما يعبر عنه المثل الشهير “الذهب زينة وخزينة” , ولعل الذهب قد فقد الصورة الأولى والثانية من أدواره التاريخية نتيجة تطور الدول وإتساع دور الحكومات ليشمل الشأن الإقتصادي وكذلك تطور الأسواق كمفهوم وكمؤسسة وكاًلية لتحديد أمثل وأكفأ الطرق لإستغلال موارد الإنتاج , لكن الصورة الثالثة من أدوار الذهب ما تزال موجودة بل أن تطور الأسواق وتعقدها قد كرس هذا الدور خاصة في مراحل الأزمات التي تنشأ عن الفقاعات وتضخم قيم الأصول المختلفة وتؤدي إلى حالة خطيرة من عدم اليقين تكاد توقف العملية الإقتصادية برمتها كالتي يمر بها العالم اليوم وأدت -فيما أدت إليه- إلى إقبال الناس على شراء الذهب هرباً من التقلبات الحادة التي يمر بها الإقتصاد العالمي , وفيما يتعلق بالإرتفاعات الأخيرة في أسعار الذهب يمكن وضع ثلاثة سيناريوهات لتفسير هذه الظاهرة وتحديد مساراتها المستقبلية المحتملة:



السيناريو الأول: سيناريو الفقاعة



يتجة الرأي في هذا السيناريو إلى إعتبار القفزات المتتالية لأسعار الذهب غير مبررة من الناحية الواقعية والعملية وهو بذلك يعزو إقبال المستثمرين على شراء الذهب إلى أسباب نفسية بحتة بسبب حالة الإضطراب التي تسود الأسواق نتيجة لحالة عدم اليقين التي أدت إليها الأزمة المالية , وهو بذلك يشير إلى وجود فقاعة في طور التشكل في سوق الذهب والمعادن النفيسة الأجرى , ويأكد هذا الإتجاه على أن ظروف الفقاعة وإهم عوامل تشكلها متوافرة في سوق الذهب اليوم , فمن ناحية توجد وفرة مالية كبيرة بسبب خطط التحفيز التي إنتهجتها حكومات أغلب الدول خاصة تلك التي تمت عن طريق طبع المزيد من النقود , ومن ناحية أخرى يلف الوضع الإقتصادي سواءاً المحلي أو العالمي حالة من الضبابية ربما تكون غير مسبوقة بسبب الأزمة وكذلك بسبب الإجراءات التي إتخذتها الدول والتي ساعدت للأسف في تعميق مشكلة الضبابية وعدم اليقين عن الوضع الإقتصادي وعن مساراته المستقبلية المحتملة , وقد أدى هذين العاملين مقرونين بظروف وعوامل أخرى إلى رفع مخاطر ومن ثم تكلفة الإستثمار في أغلب القطاعات الإقتصادية كسوق المال أو سوق العقار أو حتى القطاع المصرفي , وهذا بدوره أدى في المحصلة إلى تفشي حالة قلق لدي الكثير من الستثمرين الأفراد والمؤسسات دفعتهم إلى الإقبال على الذهب كملاذ اَمن ضد مخاطر الأستثمار المختلفة ما ساعد في رفع أسعاره بشكل كبير وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً ما يعني أن سوق الذهب تعاني من فقاعة في طور التشكل.



السيناريو الثاني: سيناريو قوى السوق



في حين يذهب رأي ثاني إلى القول بأن الإرتفاعات الأخيرة في اسعار الذهب ما هي إلا نتيجة طبيعية لتفاعل قوى العرض والطلب , فمن المعروف أنه فيما يتعلق بالسلع الأولية الناضبة فإن معدل الزيادة في عرض هذه السلع دائماً ما يكون أقل من معدل الزيادة في الطلب عليها ما يؤدي إلى دخول أسعارها في منحنى صعودي أسي لا متناهي (Exponential Increase) بمعني أن معدل الزيادة يتضاعف مع الوقت , ولعل أهم النظريات التي تتناول ظاهرة إرتفاع أسعار المواد الأولية الناضبة هي نظرية ذروة إنتاج النفط (Peak Oil) التي تقول بأن.عصر النفط الرخيص قل ولى إلى غير رجعة بسبب وصول إنتاج النفط إلى ذروته ودخوله في منحنى هبوطي دائم ما سيؤدى إلى دخول أسعار النفط في منحنى تصاعدى دائم وفي المحصلة إنهيارها نتيجة التحول الكامل عن النفط كمصدر للطاقة مع بقاءه مصدر للمواد الإولية , وإذا ما تم تطبيق نفس المنطق على الذهب فإن الطلب المتزايد على الذهب كملاذ اًمن لحفظ القيمة مقروناً بتراجع إنتاج الذهب سيؤدي إلى إرتفاع إسعاره بشكل كبير على المدى القريب وربما المتوسط ثم إنهيارها نتيجة وصول الأسعار إلى مستويات تؤدي على التحول الكامل عن الذهب كملاذ لحفظ الثروة مع بقاء الأستخدامات الصناعية أو الإجتماعية الأخرى للذهب..



السيناريو الثالث: سيناريو التضخم



يذهب رأي أخر إلى القول إن إرتفاع أسعار الذهب يرجع في المقام الإول إلى عوامل التضخم التي لا يقعصر بأثيرها على الذهب فحسب بل على معظم السلع والخدمات وإن كان تأثيرها على أسعار الذهب بدأ يصبح أكبر وأوضح , ويرجع أصحاب هذا الرأي الإرتفاع الأخير في أسعار الذهب -بل إرتفاع الأسعار عموماً- على النظم النقدية في الإقتصاد الحديث التي تعتمد على التحكم في المعروض النقدي -سواءا من المصرف المركزي عن طريق طبع النقود أو النظام المصرفي عن طريق نظام الإحتياط الجزئي (Fractional Reserve)- لمعالجة الظواهر الإقتصادية كالركود والبطالة الأمر الذي أدي إلى ظاهرة أخرى أكثر خطورة وهي التضخم بسبب تفوق عدد الوحدات النقدية الدائم على عدد الوحدات المنتجة من السلع والخدمات والذي ينعكس في صورة زيادة مستمرة في أسعار السلع والخدمات , وقد فاقمت إجراءات الإنقاذ والتحفيز التي إتخذتها الدول من ظاهرة تضخم أسعار بعض السلع خاصة السلع الأساسية والمهمة والذي يعتبر الذهب في مقدمتها , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد أدت خطط التحفيز والسياسات الحمائية التي إنتهجتها الكثير من الدول إلى تذبذب كبير في أسعار صرف الكثير من العملات الرئيسية بل وخرج بعضها عن السيطرة –كما هو الحال مع اليورو إبان أزمة ديون اليونان السيادية ومع الين في الوقت الراهن- ما عزز دور الذهب والمعادن والسلع الأخرى كملاذات اَمنة ضد مخاطر أسعار الصرف وأدى إلى زيادة الطلب بشكل كبير عليها ومن ثم إرتفاع أسعارها بشكل كبير.



من السيناريوهات الثلاثة يتضح أن أسعار الذهب قد تكون مرشحة للمزيد من الإرتفاع الحاد –إذا ما تم تغليب سيناريو الفقاعة- ومن ثم ستكون عرضة لعملية تصحيح حادة ما يعنى أن الأسعار مرشحة المزيد في الإرتفاع لكن لن يستمر ذلك طويلاً وان عملية التصحيح ستكون قريبة وفجائية , أو أنها قد تكون مرشحة إلى المزيد من الإرتقاع بصورة تدريجية في البداية لكن مع مرور الوقت ستكون الزيادة أكثر حدة –إذا ما تم تغليب سيناريو قوى السوق- ما يعني أن عملية التصحيح لن تكون قريبة وإن كانت حتمية , أو أسعار الذهب قد تكون مرشحة للإرتفاع ولكن بصورة تدريجية –إذا ما تم تغليب سيناريو التضخم- ما يعني أن الإسعار ستستمر في الإرتفاع التدريجي ولن تكون هناك عملية تصحيح كبيرة أو قريبة وإن تخللت الإرتفاع التدريجي في الأسعار بعض عمليات التراجع البسيطة والاًنية , وفي المحصلة يبدو إن عملية تغليب سيناريو على اَخر هي عملية في غاية الصعوبة وذلك لأن ذلك يعتمد على الكثير من المتغيرات , منها ما يتعلق بسوق الذهب ذاته ومنها ما يتعلق بظروف الإقتصاد العالمي وتوجهاته المستقبلية ومنا ما يتصل بالسياسات الحكومية وأمزجة المستثمرين الأفراد والمؤسسات وهي متغيرات لا يحيط بها سوى علم الله تعالى.

ليست هناك تعليقات: