السبت، 25 سبتمبر 2010

تضخم أو انكماش .. الذهب باق على بريقه



جوناثان سبول
 
خلال السنوات العشر الماضية زاد الذهب خمسة أضعاف وبلغ في الآونة الأخيرة أعلى مستوى اسمي له على الإطلاق فوق 1280 دولاراً للأونصة الواحدة. ويتوقع كثير من المعلقين بثقة، مكاسب أخرى قبل نهاية العام، وكذلك يتوقعون مستوى مرتفعاً غير مسبوق معدلاً وفقا للتضخم (يقدر بـ 2250 دولارا بأموال اليوم) في السنوات القليلة المقبلة.
وأحد أسباب ارتفاع سعر الذهب هو استمرار المخاوف من ارتفاع التضخم. لكن الحديث في الآونة الأخيرة عن التضخم المفرط أدى إلى نشوء مخاوف بشأن خطر الانكماش غير المرغوب فيه بالقدر نفسه. وعلى الرغم من هذه السيناريوهات التي تبدو متناقضة، واصل سعر الذهب ارتفاعه.
والذهب بحد ذاته لا يحمي من التضخم أو الانكماش لكن من المرجح أن يحقق نتائج جيدة في أي من السيناريوهين كونه وسيلة تحوط من الاضطراب المالي وعدم اليقين. وعلاقته التاريخية مع التضخم هي مجرد اعتراف بالحقيقة القائلة إننا طوال معظم تاريخ الاقتصاد العالمي نكافح لتهدئة ارتفاع الأسعار بدلا من مواجهة المشكلة المستعصية المتمثلة في انخفاض الأسعار.
وبالتالي، إذا كانت المعضلة التي تواجه مسؤولي البنوك المركزية في العالم بسيطة وتتمثل في مجرد الاختيار بين التضخم والانكماش، فلا يوجد شك في الخيار الذي ستختاره. فهم يعلمون أن لديهم الأدوات المناسبة للقضاء على التضخم، بل وحتى التضخم المفرط، كما توضح التجربة في الثمانينيات.
والنتيجة التي يخشونها أكثر هي الانكماش. ولمواجهة هذه المشكلة عليهم فقط النظر إلى اليابان حيث أدى الارتفاع في أسعار الفائدة في بداية التسعينيات، أثناء سعيها لتفريغ فقاعة أسعار الأصول، إلى "العقد الضائع"- الذي لا تزال ترى آثاره ماثلة حتى اليوم.
وفي الواقع المرة الأخيرة التي كان الذهب فيها في عز انتعاشه المطول هي نهاية السبعينيات، حين كان الاقتصاد العالمي يعاني من صدمات أسعار النفط والتضخم الناجم عنها، الذي بلغ ذروته في وصول الذهب إلى أعلى مستوى اسمي له على الإطلاق في ذلك الوقت؛ 850 دولاراً في شباط (فبراير) 1980.
لكن بمرور سنوات ذلك العقد كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بقيادة بول فولكر، وبوندسبانك (البنك المركزي الألماني)، بقيادة كارل أوتو بول يعتبران من المؤسسات العازمة على مكافحة التضخم وفي الوقت نفسه توجيه السياسة النقدية العالمية والنمو. وبحلول نهاية التسعينيات كانت صدقية السلطات النقدية في أعلى مستوياتها، وبالتالي اعتبرت صورة الذهب في الأذهان أنه غير مهم - ما أدى إلى تراجعه إلى 250 دولارا.
ويعزى أداء الذهب في الآونة الأخيرة جزئيا، إلى انخفاض أسعار الفائدة الذي من الواضح أنه يزيد جاذبية جميع الاستثمارات، لكنه يعود بالدرجة الأولى إلى شعور بأن البنوك المركزية لم تعد تتحكم في مصيرها الخاص مثلما كان متصورا من قبل. وما يزيد الانزعاج شكوك أخرى تثيرها أسئلة مستمرة حول صحة الديون السيادية والبلدية، والمخاوف المترتبة على العملات.
ومن أحد النواحي، مفهوم التضخم أو الانكماش غير ضروري، وببساطة يعتبر الذهب فعالا في أوقات الشدة التي يواجهها النظام المالي.
وفي حين ليس من المفترض أن تكون زيادة التحوط من عدم اليقين المالي في البيئة الحالية أمرا مفاجئا، إلا أن السؤال هو لماذا الذهب وليس أي معدن أو سلعة أخرى؟
إن أساسيات الذهب ليست قوية بأي شكل. فهناك قليل من المستخدمين النهائيين لهذا المعدن ولا يزال كثير مما تم استخراجه في مستودعات فوق الأرض، وهي كميات تضاف إليها كميات أخرى كل عام، ويبلغ مخزونه حاليا 165 ألف طن، مع أقل قليلا من 20 في المائة في خزائن البنوك المركزية في العالم.
وفي الواقع، البلاتين الذي يتم تداوله حاليا بسعر يزيد على الذهب بمقدار 300 دولار للأونصة الواحدة، والذي توجد منه مخزونات كبيرة معروفة، والذي يتم "استهلاكه" في عمليات التصنيع، ربما يبدو مرشحا طبيعيا أفضل حظا، خاصة أن الإنتاج السنوي من البلاتين يعادل 7.5 في المائة فقط من إنتاج بالذهب. وأداء الأسعار لهذا المعدن يرتبط بصورة أكبر بالتغيرات في العرض والطلب، وكذلك بأداء معادن صناعية أخرى مثل النحاس والزنك.
ومع ذلك، هناك ميزة فريدة للذهب لا توجد لدى أي استثمار آخر تجعل منه الخيار الأفضل للكثيرين: مكانته في النفس البشرية. فقد كان وحدة نقدية عالمية لأكثر من 2500 سنة وله في الوقت نفسه أهمية في اللغة والتقاليد والدين.
خذ مثلا القول "أصيل كالذهب" - وهي عبارة لا تقتصر فقط على اللغة الإنجليزية - وكذلك الميداليات الذهبية في الألعاب الأولمبية، وتقديمه هدايا تقليدية ولا سيما في الهند والصين. لذلك، في حين يمكن أن يبدو من المنطقي أن استثمارات أخرى يمكن أن تكون فعالة في المناخ الاقتصادي الحالي، إلا أن أيا منها لا يملك تاريخ الذهب والجاذبية العاطفية التي يتمتع بها، التي تجعله متقدما سواء ارتفعت الأسعار أو انخفضت.

مدير قسم توزيع السلع في باركليز كابيتال ـ مقره في لندن

ليست هناك تعليقات: