جنون الذهب
الستات "عايزة" تبيع والتجار أعلنوا الإفلاس
محيط ـ عادل عبد الرحيم
تدهور سوق الذهب في مصر
مين يشتري "الذهب" مني وأنا بأنادي وأغني، تلخص هذه الجملة حالة التكالب غير المسبوقة على بيع المعدن الأصفر في الأسواق المصرية، فمع ارتفاع أسعار الذهب لمعدلات قياسية زادت الرغبة في البيع وإن لم يقابلها في الوقت ذاته قوى شرائية من جانب التجار، مما أوجد أزمة حادة تمثلت أعراضها في إحجام "الدهبجية" عن ضخ سيولة مالية لتواجه الإقبال على البيع.
فمن أمام أحد محال الذهب بمحافظة الجيزة وقفت أم شيماء، ربة منزل، وهي تمسك سلسلة ذهبية وبعض المقتنيات الصغيرة الخاصة بابنتها وقد بدت عليها ملامح اليأس وخيبة الأمل بعدما رفض صاحب الصاغة شراء بضاعتها بعلة عدم وجود سيولة نقدية لديه نتيجة إحجام المواطنين عن الشراء.
وأمام محل ذهب آخر خرج رجل في عقده الخامس وقد بدت عليه أيضا ملامح الحيرة، بعدما فشل في بيع جنيه ذهب كان يحتفظ به لتقلبات الزمن، وقد أكد لنا أيضا رفض "الخواجة جورج" شراء الجنيه الذهب الذي وصل سعره إلى 1320 جنيه مصري (حوالي 242 دولار أمريكي) وكاد يقلب كفيه لعدم حصوله على ثمن الجنيه.
وقد التقى مندوب شبكة الإعلام العربية "محيط" بعض تجار الذهب لاستطلاع آرائهم في الأزمة الحالية، حيث يؤكد ميلاد مكرم، صاحب محل ذهب، أن ارتفاع قيمة الذهب سلاح ذو حدين فمن جانب يشجع المقتنين على البيع فإنه على الجانب الآخر يصيب حركة البيع بالشلل، ومن هنا يظهر العجز في عدم توافر القدرة الشرائية لدى التجار لسد احتياجات المواطنين.
أما ميشيل إسكندر، صائغ، فيرى أن سبب الأزمة الحالية يتمثل في اجتياح الذهب الصيني للأسواق المصرية، حيث أنه أثر بشكل خطير على مبيعات الذهب الأصلي، وذلك لرخص ثمنه وسرعة تداوله، حتى أن بعض العرائس تشتري طاقم ذهب صيني كامل بسعر لا يتجاوز 500 جنيه، في حين يقابله أكثر من 10 أضعاف هذا السعر للذهب الخالص.
وتشير الأرقام أنه لا يكاد يمر يوم حتى تشهد بورصة الذهب قفزة جديدة بمعدلات لم يكن يصلها في غضون الـ 25 عاماً السابقة، وفي استطلاعات منشورة للرأي ظهرت أراء ومشاعر قلقة عكستها اتجاهات رجل الشارع في العواصم العربية تجاه مسألة ارتفاع أسعار الذهب خاصة وأن هذا الوضع يأتي في موسم الأعراس الذي يقبل فيه الناس على شراء "الشبكة" هدايا الزفاف واتفق التجار من جانبهم على مقولة واحدة هي أن البيع نتيجة لذلك حصيلته "صفر" إلى جانب توقف كل من الورش والمحلات عن ضخ مشغولات ذهبية جديدة لحين انتهاء حالة الترقب هذه.
وأتفق عدد من المواطنين على أن اقتناء هذا المعدن اللامع بات حلما بعيد المنال حتى أن بعض العرائس أصبحن يفضلن أخذ أموال الشبكة نقدا أملا في أن تنخفض أسعاره مستقبلا، ولا يعرف الكثيرون أسباب ارتفاع هذا المعدن، حتى أنه من اللافت أن المواطن العادي في الشارع المصري على سبيل المثال يدور في ذهنه اعتقاد خاطئ بأن الذهب يرتفع نظرا لارتفاع أسعار الدولار وليس العكس!! بل يتساءل البعض لماذا لا ينخفض الذهب رغم انخفاض الدولار.
وهكذا فالكثير من المواطنين لا يعرفون أن وقت الأزمات هو الوقت المناسب لارتفاع الذهب حيث يكون الملاذ الآمن، ولذا يعتقد الخبراء أن أهم أسباب ارتفاع الذهب في الأسواق العربية والعالمية هو خوف المستثمرين من تراجع سعر العملات الأجنبية وبخاصة الدولار، فضلا عن السبب الأهم ألا وهو ارتباط الذهب اللامع بالذهب الأسود أو النفط .
و عن الأسباب الحقيقية للارتفاعات التي شهدتها أسواق الذهب العربية والعالمية، يؤكد المتخصصون أننا لا بد أولا من شرح أهمية الذهب بالنسبة للاقتصاد فهو من أحد المعادن الثمينة والتي كانت أحد المحركات الاقتصادية في اقتصاديات العالم، نظرا لأنه من المعادن القليلة المتوفرة والنادرة في نفس الوقت، فإن الإنتاج العالمي لا يتجاوز 1600 طن من الذهب سنويا، ولكنه لا يفنى باستهلاكه أو تصنيعه.
استخدامات الذهب
وللذهب استخدامين فإلى جانب دخوله في صناعة المجوهرات وهي الصناعة الغالبة في سمعة الذهب -فالكثيرون يعتبرونه من سلع الرفاهية التي لا يخلو بيت منها حتى البيوت الفقيرة، حيث لا يخلو إصبع أو أذن من قطعة ذهبية- يستخدم الذهب في الدول كدعم وسند للعملة المحلية، وقد بقي تأثيره كبيرا في ميزان الاقتصاد والمال والاستثمار حتى سنوات قريبة.
كما أن للذهب أيضا قوة وتأثيرا نفسيا حيث لا يزال يظهر بقوة وقت الأزمات، فالناس تثق في الذهب وتعتبره السلعة الباقية والثمينة مهما كانت الظروف والحروب، وهي أقدر على الصمود بقيمة قوية أو متزايدة في وقت الأزمات والحروب، أكثر مما تستطيع أن تفعله الأسهم والسندات والعملات أيضا، فالكثير من العملات والشركات تنهار وتضعف قيمتها في حالة وجود فزع عالمي.
أسباب الارتفاعات
وترتفع أسعار الذهب في العالم في حالة حدوث أزمات كبيرة أو وجود حالة فزع عالمي، مما يوحي بأن التجارة العالمية والاقتصاد العالمي مقبل على هزة كبيرة، قد لا تنجو من ضررها الشركات المساهمة ولا المصانع العاملة. وهذا يجعل الثقة بالأسهم وسوق المال تهتز باهتزاز العالم في الأزمات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق